الصامدةُ (نائلةُ بنت الفرافصة)
أخوها ضب وهو الذي حملها إلى عثمان، وكان ضب مسلما وكان أبوها نصرانيا فأمر ابنه ضبا بذلك ، وفي ذلك تقول نائلة بنت الفرافصة لأخيها ضب :
أحقا تراه اليوم يا ضب إنني * مرافقة نحو المدينة أركبا
لقد كان في فتيان حصن بن ضمضم * وجدك ما يغني الخباء المحجبا وكان سعيد بن العاص تزوج أخت نائلة بنت الفرافصة وهو أمير على الكوفة فبلغ ذلك عثمان بن عفان فكتب إليه : بلغني أنك تزوجت امرأة فأخبرني عن حسبها وجمالها فكتب إليه أما عن حسبها فإنها ابنة الفرافصة وأما جمالها فإنها بيضاء وكتب إليه إن كان لها أخت فزوجنيها فدعا الفرافصة فقال له زوج أمير المؤمنين فقال الفرافصة لابنه ضب - وكان مسلما والفرافصة نصراني زوج أختك أمير المؤمنين فزوجه نائلة وحملها إليه فلما دخلت على عثمان وضع القلنسوة عن رأسه وبدا الصلع فقال لا يغمنك ما ترين فإن من ورائه ما تحبين قالت له أما ما ذكرت من صلعك فإني من نسوة أحب أزواجهن إليهن السادة الصلع ثم قال لها إما أن تتحولي إلي أو أتحول إليك قالت ما قطعت من جنبات السماوة أبعد مما بيني وبينك فتحولت إليه فكانت من أحظى النساء عنده قالوا وتزوجها وهي نصرانية على نسائه ثم أسلمت على يديه ولما قتل عثمان قالت نائلة فيه :
ألا إن خير الناس بعد ثلاثة * قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
ومالي لا أبكي وأبكي قرابتي * وقد غيبت عني فضول أبي عمرو
وقالت نائلة لما حصر عثمان ظل اليوم الذي كان قبل قتله بيوم صائما فلما كان عند إفطاره سألهم الماء العذب فأبوا عليه وقالوا دونك الركي وركي في الدار التي يلقى فيها النتن قال فلم يفطر فأتيت جارات لنا على أجاجير متواصلة وذلك في السحر فسألتهم الماء العذب فأعطوني كوزا من ماء فأتيته فقلت هذا ماء عذب أتيتك به قالت فنظر فإذا الفجر قد طلع فقال إني أصبحت صائما [ قالت : ] فقلت من أين ولم أر أحدا أتاك بطعام ولا شراب فقال إني رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اطلع علي من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال اشرب يا عثمان فشربت حتى رويت ثم قال ازدد فشربت حتى ثملت أو نهلت ثم قال أما إن القوم سيبكرون عليك فإن قاتلتهم ظفرت وإن تركتهم أفطرت عندنا فدخلوا عليه من يومه فقتلوه" تاريخ دمشق 70 /136 عن ابن الجراح مولى أم حبيبة قال: كنت مع عثمان رضي الله عنه في الدار.فما شعرت وقد خرج محمد بن أبي بكر ونحن نقول همَّ في الصلح، إذا بالناس قد دخلوا من الخوخة وتدلوا بأمراس الحبال من سور الدار ومعهم السيوف، فرميت بسيفي وجلست عليه، وسمعت صياحهم، فإني لأنظر إلى مصحف في يد عثمان رضي الله عنه: إلى حمرة أديمه، ونشرت نائلة بنت الفرافصة شعرها، فقال لها عثمان رضي الله عنه: خذي خمارك فلعمري لدخولهم علي أعظم من حرمة شعرك، وأهوى الرجل لعثمان بالسيف، فاتقته بيدها، فقطع إصبعين من أصابعها، ثم قتلوه وخرجوا يكبرون.. تاريخ المدينة 4 / 1300
وصرخت امرأته فلم يسمع صراخها لما في الدار من الجلبة، فصعدت امرأته إلى الناس فقالت: إن أمير المؤمنين قد قتل.
فدخل الحسن والحسين ومن كان معهما فوجدوا عثمان رضي الله عنه مذبوحا (فانكبوا ) عليه يبكون، وخرجوا، ودخل الناس فوجدوه مقتولا، وبلغ عليا الخبر وطلحة والزبير وسعدا ومن كان بالمدينة، فخرجوا، وقد ذهبت عقولهم للخبر الذي أتاهم، حتى دخلوا عليه فوجدوه مذبوحا، فاسترجعوا.(تاريخ دمشق)
عَنْ نَائِلَةَ بِنْتِ الْفَرَافِصَةَ امْرَأَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَتْ نَعَسَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ فَأَغْفَى فَاسْتَيْقَظَ فَقَالَ لَيَقْتُلَنَّنِى الْقَوْمُ قُلْتُ كَلاَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَبْلُغْ ذَاكَ إِنَّ رَعِيَّتَكَ اسْتَعْتَبُوكَ.
قَالَ إِنِّى رَأَيْتُ رَسُو لَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى مَنَامِى وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالُوا « تُفْطِرُ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ». مسند أحمد (546) حسن لغيره
وعن شداد الأعمى عن بعض أشياخه من بني راسب قال : كنت أطوف بالبيت فإذا رجل أعمى يطوف بالبيت وهو يقول اللهم اغفر لي وما أراك تفعل قال فقلت أما تتقي الله قال إن لي شأنا آليت أنا وصاحب لي لئن قتل عثمان لنلطمن حر وجهه فدخلنا عليه وإذا رأسه في حجر امرأته ابنة الفرافصة فقال لها صاحبي اكشفي عن وجهه قالت لم قال ألطم حر وجهه فقالت أما ترضى ما قال فيه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال فيه كذا وقال فيه كذا قال فاستحى صاحبي فرجع فقلت لها اكشفي عن وجهه فقال فذهبت تعدو علي فلطمت وجهه فقالت ما لك يبس الله يدك وأعمى بصرك ولا غفر لك ذنبك قال فوالله ما خرجت من الباب حتى يبست يدي وعمي بصري وما أرى الله يغفر لي ذنبي " تاريخ دمشق - (ج 70 / ص 141)
وتُركت جثة عثمان فى مكانها دون أن يجرؤ أحد على تجهيزه ودفنه، فأرسلت إلى حويطب بن عبد العزى وجبير بن مطعم، وأبى جهم بن حذيفة، وحكيم بن حزام، ليُجَهِّزُوا عثمان، فقالوا: لا نقدر أن نخرج به نهارًا.
وحين حلّ الظلام خرجوا به بين المغرب والعشاء نحو البقيع، وهى تتقدمهم بسراج ينير لهم وحشة الظلام حتى تم دفنه بعد أن صلَّى عليه جبير بن مطعم وجماعة من المسلمين.
ثم قالت ترثيه:
ومالى لا أَبْكى وأُبكى قرابتى وقد ذهبتْ عنا فضول أبى عَمْرِو
ولم تكتف نائلة بذلك بل أرسلت إلى معاوية بكتاب مرفق معه قميص عثمان ممزقًا مليئًا بالدماء، وعقدت في زر القميص خصلة من شعر لحيته، قطعها أحد قاتليه من ذقنه، وخمسة أصابع من أصابعها المقطوعة.
وأوصت إليه أن يعلق كل أولئك فى المسجد الجامع فى دمشق، وأن يقرأ على المجتمعين ذلك الكتاب، وكان بعض ما جاء فيه:
إلى معاوية بن أبى سفيان، أما بعد: فإنى أدعوكم إلى اللَّه الذي أنعم عليكم وعلمكم الإسلام، وهداكم من الضلالة، وأنقذكم من الكفر، ونصركم على العدو، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة، وأنشدكم اللَّه وأذكركم حقه وحق خليفته أن تنصروه بعزم اللَّه عليكم، فإنه قال:( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الحجرات: 9].
وقد اجتمع لسماعه خمسون ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان وأصابعها.
وعاشت نائلة حافظة لذكرى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وظلتْ وفية له، فلم تتزوج وكانت من أجمل النساء.
وكلما جاءها خاطب رَدَّتْه، ولما تقدم معاوية -رضي الله عنه- لخطبتها أَبَتْ، وسألت النساء عما يعجب الخطاب فيها، فقلن: ثناياك (وكانت مليحة وأملح ما فيها ثغرها) فخلعت ثناياها، وأرسلت بهن إلى معاوية، وحين سُئلت عما صنعتْ، قالت: حتى لا يطمع فيَّ الرجال بعد عثمان-رضي الله عنه-.
تلك هي "نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص"رمز الشجاعة والصبر والصمود، ذات الأدب والبلاغة والفصاحة، تزوجها عثمان بن عفان-رضي اللَّه عنه- فكانت له زوجة مخلصة وفية ومطيعة، وكان عثمان يستشيرها دائمًا لسداد رأيها، وقد حظيت في بيته بمكانة كبيرة.
وقد زوجّها له أخوها ضب، وحملها إلى عثمان في المدينة، وكان مسلمًا وكان أبوها نصرانيَّا، وقد تزوجها عثمان وهي نصرانية، وقبيلتها - قبيلة كلب - كلها يومئذ نصارى.
وقد أسلمت نائلة على يديه، وأنجبت له من الولد ثلاثًا: أم خالد، وأروى، وأم أبان الصغرى.
وقد روت السيدة نائلة عن عائشة -رضي اللَّه عنها- بعضًا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم توفيت بعد جهاد عظيم لخدمة الإسلام.